اعداد خالد نجار
نزار قباني.. شاعر المرأة والروح والجمال.. شاعر الجسد والخيال، كان يحلم دائما ان يتكون اسم حبيبته من خمسة احرف وظل ينتظر حتى شاء القدر ان يجد حبيية قلبه عند قارئة الفنجان لتخبره ان حبييته من العراق واسمها يتكون من خمسة احرف انها " بلقيس" زوجته التي عشق فيها نخيل العراق وجباله الشماء. واليوم نتصفح معا اوراق الذكريات ومن ارشيف زميلي عباس ناجي الذي نفض غبار الذكريات عن "بلقيس" ابنة العراق.. التي عشقها " نزار قباني" شاعر المرأة واصبح مجنون حبها وعشقها عشق العبادة.
وجعل من بغداد معبدا لحبه الازلي لكي يحظن ويفوز بقلب وحب "بلقيس" بنت بنات الاعظمية وجميلاتها والتي رفض والدها ان يزوجها الى نزار قباني ولكن نزار اعتقل في زنزانة قلبها وظل اسير حبها حتى حقوق حلمه وتزوجها.
** ولكن مرة اخرى كيف تزوجها وكيف اقنعها بحبه؟ هذا ما سنرويه لكم اليوم في جولة الذكريات والرسائل والصور والاسرار لنقتحم قلعة المرأة "نزار قباني" وكيف عشق "بلقيس" وكيف انتهى الحب بالزواج؟
* بلقيس ..ولدت بين احضان نهر دجلة
بداية لا بد ان نتحدث عن بلقيس ومن هي ؟ وكيف عشقها نزار ؟ ولماذا بلقيس من دونها ؟ تلك الفتاة البغدادية التي كانت تغفو على ضفاف نهر دجلة الخالد حيث بدأت قصة حب ازلية لا تشبه قصص الف ليلة وليلة فمن هي" بلقيس" التي اجبرت ذلك الشاعر ان يتخلى عن نساء العالم الشقراء والسمراء والحنطية والرومية والبيضاء والسندية ليأتي الى بغداد ويدخل الاعظمية في زهوها ويدق باب بيتها.
ونعود الى عام 1939 حين تعالت الزغاريد و"الهلاهل" من دار السيد جميل الراوي معلنة ولادة ابنته البكر" بلقيس" التي عاشت طفولتها وشبابها مع اشقائها ابراهيم وعبد المحسن ونبال ونجود في بيتهم في محلة السفينة في الاعظمية المطل على نهر دجلة، وكان والدها جميل الراوي آنذاك احد مؤسسي الحركة الكشفية في العراق وقد كان يحب ابنته "بلقيس" جدا ولا يرفض لها طلبا فهي "المدللة" الجميلة.
وأكملت بلقيس مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة نجيب باشا في الاعظمية ثم انتقلت في عام 1951 الى ثانوية الحريري للبنات قرب ساحة عنتر وتخرجت منها وفي 29/1/1961 تم تعيينها بوظيفة "كاتبة" على ملاك التعليم الثانوي استنادا الى امر وزارة المعارف آنذاك براتب شهري قدره "15 دينارا" وباشرت عملها في متوسطة الجمهرية للبنات.
وهكذا مرت الايام ومن وهج السنين ومن الذكرى المؤلمة الحزينة التي تلف البيت اليوم ، وقفنا نتأمل كيف احتضن هنا البيت " بلقيس الطفلة، الشابة، العروس".. ودخلنا البيت الذي ولدت فيه بلقيس وهو يطل على نهر دجلة الخالد وعيوننا تاكل الجدران والسقوف بحثا عن آثار "بلقيس"، عن خصلة شعر من جدائلها الطويلة.. عن حروف اسمها فلربما قامت بيوم ما ان تكتب ذكرى على جدرانه او على جذع شجرة التوت العجوز التي بقيت الشاهد الوحيد على صخب حياة تلك الغادة العراقية والمرأة التي ألهمت نزار قباني فيضا آخر من الشعر.
* في دار بلقيس .. جدران تحكي قصصها!
واقتربنا من غرفة بلقيس ونحن نتجول في ارجاء المنزل حين كانت تضج مرحا وحبا وتعبق بعطرها وفرحها واحلامها التي كانت تتسلل من شباك غرفتها لتعانق مياه دجلة.. ولم يبق اليوم في غرفتها سوى جدران صماء ونافذة ما زالت تناجي النسيم وتشكوه اميرتها الراحلة الى الابدية.
ثم تتبعنا خطى بلقيس وصعدنا السلم الى سطح الدار حيث الشرفة التي تطل منها على بريق مياه دجلة والقباب الذهبية لمسجد ابو حنيفة في الاعظمية وتطل عليها من الجانب الآخر "الكرخ" قباب ذهبية للحضرة الكاظمية الشريفة، وفي كل شيء من البيت وكل زاوية منه كانت تريد ان تحكي لنا حكاية عن بلقيس، لكن الصمت والحزن الموجع قد سادا وكأنهما على علم لان "بلقيس" قد رحلت.
* شقيق بلقيس : قطعنا عهدا على عدم بيع دار الطفولة
وذهبنا بعد ذلك الى دار شقيق "بلقيس" السيد جميل الراوي ليحدثنا عن ذكريات ذلك البيت فيقول: بعد وفاة والدي اخذ كل منا طريقه في هذه الحياة وغادرنا منزل الطفولة والصبا بعد ان قطعنا عهدا على انفسنا بعدم التخلي عنه او بيعه وتركناه مقفلا تملؤه الذكريات الجميلة والمؤلمة معا.
ويسترسل جميل الراوي بحديثه ويقول: ولكن ذات يوم وبينما كنت اتفقد المنزل فوجئت بان "القفل" مكسور للباب الرئيسي ودخلت فوجدت عائلة "غريبة" مكونة من زوج وزوجة يمكثان فيه وبعد ان استفسرت منهما عن كيفية اقتحام المنزل والبقاء فيه من دون اي استئذان مني فجاء ردهما كانا يلوذان به وترجياني امالهما قليلا من الاسابيع لان المرأة حامل وستضع مولودها قريبا ولم اتمكن من رفض طلبهما لانني اشفقت عليهما كثيرا وامهلتهما المدة الكافية للبقاء على ان يغادرا البيت بعد انتهاء وضع زوجته لوليدها.
ولكن ومع الاسف الشديد وبعد انتهاء المدة ادعى الرجل بانه قد استأجر الدار مني رسميا رافضا اخلاءها. وقد علمت بعد ذلك ان زوجة هذا الرجل قد هجرته وانه يمارس الدعارة وكنا عاجزين عن اخراجه.
* بلقيس.. نخلة عراقية تشمخ بجبال كوردستان.
ونعود الى "بلقيس" النخلة العراقية التي تشمخ بشموخ جبال كوردستان هذه المرأة التي سحرت "نزار قباني" كانت تعشق ايضا النخلة ولها كثير من الصور في حياتها ومن مختلف مراحلها تقف جنبا الى جنب مع النخلة هذا قبل زواجها من نزار كأنها تقول ان المرأة نخلة كلها عطاء وكبرياء اذا ما سقيت بماء الكرامة والفضيلة.
وكل اهالي "السفينة" في الاعظمية كانوا يحبون بلقيس وهي تحبهم ويتحدث السيد عامر كامل "ابو نادية" وهو جارهم القديم ويقول: لقد كانت بلقيس اجمل جميلات الاعظمية وكانت تمتاز بالادب والاخلاق وكانت متواضعة غير متعالية وذات شعر طويل يتدلى حتى اخمص قدميها وكان جميع اهالي السفينة يشبهونها بالنخلة حيث يداعبها الصبية بسحب شعرها من الخلف وهي تلاطفهم بابتسامتها الجميلة وكانت بلقيس بجمالها وسحرها وانوثتها تمثل حلما لأغلب شباب المنطقة الا ان احدا لم يجرؤ على ان يطرق باب قلبها " او يدنو من سور حديقتها" سوى نزار قباني.
لقد حلم "نزار قباني" بان يكون اسم حبيبته يتألف من خمسة أحرف وهل شاء القدر ان يجمعه بـ"بلقيس" ام انه الاصرار الذي عودنا عليه في شعره، ويسترسل "ابو نادية" بالقول على حد علمي ان "نزار قباني" كان حاضرا في يوم من الايام لاحدى الفعاليات الطلابية للمدارس الثانوية في الاعظمية حيث كانت بلقيس موجودة بحكم وظيفتها..فلمحها.. واثارت انتباهه واعجابه ومن هنا "نبتدي منين الحكاية"؟!
في الحلقة القادمة:
* كيف رست سفينة نزار قباني في الاعظمية ؟
* لماذا كانت تخشى " بلقيس" شاعر النساء؟
* ماذا اشترط " نزار قباني" لخطوبة "بلقيس"؟